تعافي الجنيه المصري أمام الدولار: استقرار حقيقي أم تحسن مؤقت

شهد الجنيه المصري تحسنًا ملحوظًا أمام الدولار الأميركي خلال الأسابيع الأخيرة، بعد أن كان قد سجل أدنى مستوياته في أبريل/نيسان الماضي عند نحو 51.6 جنيهًا للدولار، وهو أدنى مستوى منذ تحرير سعر الصرف في مارس 2024. ومنذ أواخر يونيو/ حزيران الماضي، واصل الجنيه مسارًا تصاعديًا، ليسجل في مطلع أغسطس نحو 48.6 جنيهًا للدولار، وهو أفضل أداء له منذ أكتوبر الأول 2024.

هذا التحسن أثار تساؤلات واسعة بين الاقتصاديين والمواطنين على حد سواء: هل يعكس هذا الصعود تحسنًا حقيقيًا ومستدامًا في الأداء الاقتصادي، أم أنه مجرد انعكاس لتدفقات مالية قصيرة الأجل مدفوعة باستثمارات غير مستقرة وأدوات تمويلية مرحلية؟

التحسن بعد التوترات الجيوسياسية

جاء التعافي التدريجي للجنيه عقب مرحلة من الضغوط القوية التي تعرض لها على خلفية التصعيد العسكري في المنطقة بين إيران وإسرائيل، إضافة إلى الضربات الأميركية المتكررة، والتي أثرت على تدفقات الاستثمارات الأجنبية وسوق العملات.

لكن إعلان تهدئة الأوضاع الإقليمية ساهم في إعادة جزء من الاستقرار إلى السوق، مدفوعًا بإجراءات حكومية لاحتواء أزمة العملة، وطرح أدوات مالية جذبت المستثمرين الأجانب، لا سيما في أدوات الدين قصيرة الأجل.

مدبولي: تجاوزنا الأزمة.. لكن الأسعار لم تنخفض

رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، أكد خلال اجتماع مع مسؤولي الحكومة وممثلي القطاع الخاص أن الدولة المصرية تمكنت من تجاوز أصعب مراحل الأزمة الاقتصادية، وأن مؤشرات الأداء العام تشير إلى تحسن ملموس، سواء في معدلات النمو أو حجم الاحتياطي النقدي أو عودة الإنتاج الصناعي.

ورغم ذلك، أقرّ مدبولي، بأن هذا التحسن لم ينعكس حتى الآن على أسعار السلع والخدمات في الأسواق، قائلاً: “المواطن لن يشعر بأي تحسن حقيقي في مؤشرات الاقتصاد إلا من خلال انخفاض الأسعار بشكل ملموس ومستدام”

وأوضح أن كثيرًا من السلع كانت تُسعّر وفق أسعار الدولار في السوق السوداء خلال فترة الأزمة، كما عانت المصانع من نقص في المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، وهي تحديات تم التغلب عليها الآن، وفق تعبيره.

وأشار مدبولي، إلى أن اجتماعات مكثفة تجري مع اتحاد الغرف التجارية والمصنعين لمراجعة الأسعار، معتبراً أن الوقت قد حان لانعكاس التحسن النقدي على الأسواق الاستهلاكية.

هل ينعكس التحسن على حياة الناس؟

رغم الأرقام الإيجابية، شكك كثير من المواطنين والمحللين في جدوى التحسن، ما لم يرتبط مباشرة بتحسين مستوى المعيشة وخفض أعباء الحياة اليومية. وعبّرت الإعلامية لميس الحديدي عن هذا التناقض في منشور على صفحتها بموقع فيسبوك، قائلة: “بون شاسع بين مشهدين: تصريح رئيس الوزراء أننا تجاوزنا الأزمة الاقتصادية، وقصة السيدة المسنّة التي طلبت من المحافظ كيلو لحمة!”

وأضافت الحديدي: “الاقتصاد ليس مجرد مؤشرات جامدة، بل يجب أن ينعكس على حياة الناس: الأكل، الشرب، السكن، المدارس، العلاج… ومن خلف ذلك الاستثمار، والتصدير، والديون وتكلفتها”

وتساءلت: “إذا كنا بالفعل قد خرجنا من الأزمة، فهل ستتوقف الحكومة عن تخفيض الدعم على المحروقات والكهرباء؟”، معتبرة أن استمرار سياسة خفض الدعم رغم الإعلان عن انتهاء الأزمة سيكون تناقضًا يستحق المراجعة

بين مؤشرات الاقتصاد وألم الأسعار

يرى خبراء اقتصاد أن صعود الجنيه المصري مؤخرًا قد يكون مدعوماً بتدفقات من بيع أصول حكومية أو استثمارات في أدوات الدين، لكنه لا يعكس بالضرورة تحسنًا في الإنتاج أو زيادة في الصادرات أو تقليصًا في عجز الميزان التجاري.

وتشير التقديرات إلى أن التضخم ما زال مرتفعًا، والأسعار لا تزال تقاوم الهبوط رغم تراجع الدولار، ما يسلط الضوء على فجوة بين ما تظهره المؤشرات الرسمية وبين ما يعيشه المواطن في تفاصيل يومه.

استقرار الجنيه بين التحديات والفرص

يبدو أن الجنيه المصري بدأ يستعيد بعض قوته، لكن مسألة الاستدامة مرهونة بقدرة الحكومة على تحقيق نمو اقتصادي حقيقي، يعزز الإنتاج المحلي، ويخفف الاعتماد على الخارج، ويقود في النهاية إلى انخفاض ملموس في الأسعار.

ورغم التصريحات الرسمية المتفائلة، يظل السؤال مفتوحًا: هل نحن أمام بداية استقرار حقيقي؟ أم أن التحسن الحالي هو مجرّد فترة هدوء مؤقتة تسبق ضغوطًا جديدة في ظل تحديات إقليمية ودولية مستمرة؟

في النهاية، يبقى الأمل معقودًا على قدرة الحكومة في اتخاذ خطوات جادة لتعزيز الاقتصاد وتحسين مستوى المعيشة. يجب أن تكون هناك آليات واضحة لضمان استفادة المواطنين من أي تحسن اقتصادي مستقبلي.

كما يجب أن يتم تعزيز الشفافية في البيانات الاقتصادية لتشجيع الثقة بين المواطنين والحكومة، مما يسهم في خلق بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا.