
بينما تتسارع وتيرة التدهور البيئي في أنحاء العالم، يبرز التنوع البيولوجي كأحد أكثر الثروات الطبيعية هشاشة وأهمية في آن واحد. فالغابات، والشعاب المرجانية، والأراضي الرطبة، والأنواع البرية كلها مكونات حيوية لنظام بيئي متوازن، يوفّر خدمات لا تُقدّر بثمن مثل تنقية المياه، واستقرار المناخ، وحماية السواحل، والأمن الغذائي. ومع ذلك، تشير التقارير العالمية إلى تراجع مأساوي، حيث انخفضت أعداد الحيوانات البرية بنسبة 73%، وتراجعت الكائنات المائية العذبة بنسبة 85% منذ عام 1970.
في ظل هذه التحديات، تتجه الأنظار إلى أدوات غير تقليدية للمساهمة في التصدي لهذه الأزمة، ويأتي قطاع التأمين في مقدمتها. فلم يعد التأمين مجرد وسيلة لتعويض الخسائر، بل أصبح أداة استباقية تساهم في الحفاظ على البيئة وتمويل الحلول المستدامة.
اقرأ كمان: سعر الذهب اليوم السبت 26 يوليو 2025 استقرار حذر وعيار 21 يسجل 4660 جنيهًا
أزمة بيئية عالمية تحتاج إلى حلول مالية مبتكرة
ما تواجهه الأنظمة البيئية حاليًا من ضغوط مثل إزالة الغابات، والتلوث الصناعي، وارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المناخية المتطرفة، لا يُعد فقط خطرًا على الطبيعة، بل تهديدًا مباشرًا للاقتصاد العالمي، من الزراعة إلى الصحة العامة، ومن التجارة إلى الأمن المائي.
ما الذي يمكن أن يقدمه التأمين لحماية التنوع البيولوجي؟
1. تصميم منتجات تأمين بيئي مخصصة:
-
التأمين القائم على المؤشرات البيئية (Parametric Insurance): يُوفر تعويضات تلقائية بعد تحقق مؤشرات بيئية محددة، كما في نموذج حماية الشعاب المرجانية بالمكسيك.
-
التأمين ضد الأضرار البيئية: يلزم الشركات بالمسؤولية ويشجع على الالتزام البيئي.
-
التأمين على الحياة البرية: يقلل من النزاع بين الإنسان والحيوان ويوفر بدائل تعويضية فعالة.
-
تأمين النظم البيئية الحيوية: يغطي خسائر الكوارث التي تطال غابات المانغروف أو الأراضي الرطبة.
2. سياسات اكتتاب ترتكز على تقييم الأثر البيئي:
شركات التأمين قادرة على إعادة تشكيل السوق بمنح مزايا للمشروعات الخضراء، وفرض شروط أكثر صرامة على الأنشطة الملوّثة، مما يخلق سوقًا أكثر وعيًا واستدامة.
3. التأمين كقناة تمويل جديدة للطبيعة:
-
السندات البيئية والتأمينية: تُستخدم لتمويل مشروعات الحماية البيئية.
-
الشراكات التمويلية بين الحكومات والقطاع الخاص: لتمويل مناطق الحماية البيئية.
-
آليات التمويل المختلط: تُمكّن من تقليل المخاطر وجذب الاستثمارات البيئية.
مكاسب مزدوجة: كيف يستفيد قطاع التأمين من الطبيعة؟
عندما تكون الطبيعة قوية ومتنوعة، تنخفض الكوارث، وبالتالي تتراجع المطالبات التأمينية، ما يحسّن من أرباح شركات التأمين. فالشعاب المرجانية والمانغروف تمتص الصدمات المناخية وتحمي السواحل، والزراعة المتنوعة تحدّ من مخاطر الجفاف والفيضانات، كما أن تبني معايير بيئية متقدمة يمنح شركات التأمين مرونة أكبر أمام التغيرات التنظيمية.
ممكن يعجبك: الضرائب المصرية تُلزم الشركات بإصدار إيصالات إلكترونية اعتبارًا من 15 سبتمبر 2025
نماذج عالمية تؤكد جدوى الفكرة
-
المكسيك: أول بوليصة تأمين تغطي الشعاب المرجانية ضد الأعاصير.
-
الهند وكينيا: نماذج تأمين زراعي تعتمد على استقرار النظم البيئية.
-
نيوزيلندا وكوستاريكا: تأمين المحميات الطبيعية لضمان استمرارية خدماتها البيئية.
مصر: حماية المحميات الطبيعية ليست خيارًا
في مصر، التي تضم أكثر من 30 محمية طبيعية تغطي نحو 15% من أراضيها، برزت الحاجة إلى إدماج التأمين كأداة حماية بعد تزايد التهديدات مثل التغير المناخي، والحرائق، والصيد الجائر، والتعديات البشرية. وقد ارتفعت إيرادات المحميات بنسبة 40% في عام 2024، ما يعكس قيمتها الاقتصادية، إلى جانب البيئية.
الحلول التأمينية تشمل:
-
التأمين ضد الكوارث البيئية (الحرائق، الأعاصير).
-
تأمين المسؤولية البيئية للمشغلين والمنظمات.
-
التأمين المناخي لتوفير تمويل سريع في حالات الجفاف.
-
تغطية خسائر التلوث أو الإضرار بالأنواع المحمية.
Insurers Federation of Egypt: نحو استراتيجية بيئية في صناعة التأمين
يؤمن الاتحاد المصري للتأمين (Insurers Federation of Egypt)
بأن حماية التنوع البيولوجي مسؤولية مشتركة، ويؤكد على أهمية دمج البُعد البيئي في صلب السياسات التأمينية، ليس فقط امتثالًا للالتزامات الدولية، بل لضمان مستقبل اقتصادي مرن وقادر على التكيف مع تغيرات المناخ والمخاطر البيئية المستجدة.
التأمين البيئي يمثل خطوة نحو تعزيز الوعي البيئي بين الشركات والمجتمعات، مما يسهم في خلق بيئة أكثر استدامة. من خلال الاستثمار في الحلول المستدامة، يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دورًا محوريًا في حماية كوكبنا.
إدماج التأمين في الاستراتيجيات البيئية يعد ضرورة ملحة، حيث يسهم في تعزيز الاستدامة ويضمن حماية الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. هذه الخطوات تعكس الالتزام الجماعي نحو مستقبل أفضل.
التعليقات